عندما لا تحميك العقود
إن العقود تنقسم إلى نوعين: عقود مسماة وعقود غير مسماة. أما عن العقود المسماة، فهي عقود ذكرها القانون على سبيل التحديد، وعرَّفها تعريفًا دقيقًا، ووضع لها ضوابط وشروطًا وقواعد يمكن بناء العقد عليها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، فعقد البيع كواحد من العقود المسماة، إذا لم يستلم المشترى ما اشتراه بمجلس العقد ، فهذا لا يعني أبدًا أن المشتري فقد حقه في استلام المبيع ، فعقد البيع عرفه المشرع وأفرد له قواعد ومواد قانونية وضعت أُطرًا عامة له ومن ضمنها أن استلام المبيع شرطا من شروطه .
إن الاعتياد على العقود المسماة، جعل تدقيقها ومراجعتها بالنسبة للمتخصصين أمرًا يسيرًا إلى حد كبير، نتيجة لوجود قواعد وأُطر محددة تحكمها، ونتيجة أيضًا للاعتياد على مراجعتها وتدقيقها مثل عقد البيع والوكالة والسمسرة وغيرها من العقود المدنية والتجارية .
أما عن العقود غير المسماة، فهي تلك العقود التي لم يضعها القانون في أُطر محددة. إن العقود غير المسماة استمدت قوتها من المادة (89) من القانون المدني، والتي نصت على: “يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين…”، وكذا المادة (147) من نفس القانون التي نصت على أن: “العقد شريعة المتعاقدين…”، تلك المادة التي سرعان ما تحولت إلى مقولة تتوارثها الأجيال عبر الأزمنة ، كل ذلك منح للأفراد حرية التعاقد كما يشاؤون، بل إن العقد بين أطرافه أقوى من القانون إذا لم يتقاطع مع النظام العام والنصوص الآمرة في القانون.
إن العقود غير المسماة أخرجت المجتمع التجاري من سلاسل التقييد بأمور محددة يمكن التعاقد عليها دون غيرها، وفتحت له آفاقًا أوسع للتعاقد والاتفاق طبقًا للاحتياجات المدنية والتجارية المتطورة بشكل سريع.
ولكن كل ذلك لا يعني تحصين العقود بين الأطراف والاطمئنان إلى قوتها الإلزامية أيًا كان محتواها ، إن الاحتياجات التجارية المتسارعة دفعت أصحاب الأعمال إلى طلب صياغة عقود بمحتوى يتعارض مع القواعد الآمرة في القوانين المصرية أحيانًا وهنا يأتي دور المتخصصين فى تقديم استشارات قانونية للشركات عن ما يصح ولا يصح ، ما سيُبطل وما سيُجاز وهنا يأتى دور محامى الشركات في مراجعة العقود التجارية المختلفة وصياغة العقود التجارية وإبداء الرأي في مدى جدواها وقانونيتها.
وإننا هنا يحضرنا على سبيل المثال لا الحصر عقد الشركة الذي اتُّفق بمقتضاه الأطراف على عدم تحمل طرف من الأطراف لأي خسارة، وأن باقي الشركاء مُلزمون برد أمواله دون خسارة. فإن هذا الشرط، وهو ما يُطلق عليه شرط الأسد، هو شرط باطل حتى لو اتفق عليه الأطراف ،
إن كتابة عقد بين طرفين يتم الاتفاق فيه على تغيير عملة أجنبية بسعر السوق السوداء خارج البنوك والمصارف المرخص لها بذلك ليست إرادة حرة للأطراف، ولا ينطبق عليه أن العقد شريعة المتعاقدين ، إن كتابة عقد بيع لعقار يتم الاتفاق فيه على تحميل ضريبة التصرفات العقارية على المشتري وليس البائع شرط باطل لا يتم الاعتراف به أمام المحاكم، لأن القانون اعتبره قاعدة من النظام العام.
وإننا من جديد نود أن نضع أيدينا على ذلك الاحْتياج لدى أصحاب الأعمال، وهو ابتكار عقود شراكات أو عقود توزيع أرباح أو عقود واتفاقيات بشكل عام فرضتها عليهم الساحة التجارية، إلا أن كثيرًا من هذه الاتفاقيات قد لا تتوافق مع القواعد الآمرة في القانون المصري .
إن محامى صياغة عقود محترف قد يُلبى رغبة الأطراف فى إفراغ اتفاقياتهم بشكل قانوني يتوافق مع القانون ، وهنا يأتى دور التخصص فى القانون ، محامى صياغة عقود تجارية بالتأكيد يستطيع أن يصيغ عقود تجارية بشكل أكثر احترافية ، محامى شركات يستطيع أن يصيغ عقود الشراكات العرفية بشكل أكثر احترافية ، محامى مدنى مخضرم يستطيع أن يصيغ العقود العقارية بشكل أكثر احترافا من غيره .
إن طلب صياغة العقد أو مراجعته من متخصص ليس رفاهية في كثير من الأحيان، فالأخطاء القانونية التي تتكرر كثيرًا في عالم الأعمال كثيرًا ما تتسبب في خسائر فادحة.